الصفحة الرئيسية  ثقافة

ثقافة قراءات في كتاب "أسئلة الفكر العربي المعاصر" لنبيل درغوث

نشر في  26 فيفري 2018  (10:52)

بقلم الأستاذ محمد علي بن غنية

 

تأثثت المكتبة الثّقافية بكتاب "أسئلة الفكر العربي المعاصر : العلمانيّة ـ الحداثة ـ التّاريخ ـ العولمة ـ النهضة العربيّة ـ القوميّة العربيّة"،  وهو مجموعة من الحوارات أجراها الكاتب التونسي نبيل درغوث مع نخبة من المثقفين الجامعيين وقد صدر عن دار آفاق ـ برسبكتيف للنشر بتونس ضمن سلسلة شهادات آفاق فيفري 2018 وقد سبق نشرها في صحف و مجلات و مواقع تونسية و عربية ما بين سنتي 2005 و 2010.

وتبرز قيمة هذه الحوارات في أنها مجموعة من الشهادات التي تخضع لنسق منتظم يوفر للدارسين رؤية لقضايا شغلت و ما زالت المثقفين العرب،  وقد صدّر الكاتب نبيل درغوث كتابه بمقولة ماركيز " الحوار مثل مزهرية الجدة تساوي ثروة لكن لا أحد يعرف أين يضعها ". و نظم الشهادات في أربعة فصول أولها حواره مع الدكتور الهادي التيمومي من تونس الذي قدم نظرته للتاريخ و أنماط الإنتاج ففسر فرضيته نمط الإنتاج المخماسي نسبة إلى العامل الخماس، فأوعز أسباب التخلف التونسي إلى هذا النمط مثلما بيّن مدى العجز العربي عن تبني الحداثة الغربية ولا يرى في موقفه تعارضا مع الموضوعية التاريخية ديدنه كفانا عبادة للماضي.

وقد أبرز معوقات البحث التاريخي في العالم العربي محددا المعيار التحقيبي الملائم للمنطقة العربية و نظرته لمستقبل علم التاريخ في عصر العولمة خاصة وهو يعتبر العولمة شكلا جديدا من أشكال الإمبريالية ،ولم يغفل نبيل درغوث عن مطارحة الدكتور موقفه من انهيار الشيوعية و تحولات الصين و هو الذي يتبنى الماركسية بناء مجتمعيا و لم يخل الحوار من موقف الباحث من مستقبل القومية العربية و رأيه في الصراع العربي الإسرائيلي و الديمقراطية في المجتمع العربي .

أما الحوار الثاني مع الدكتور التونسي محمد الحداد فأساسه مفهوم الدولة الحديثة التي يرى أنها يجب أن تتكون على أساس المواطنة و يعتبر أنه لا داعي للمنازعات في قضية المناهج التاريخية و يشكو الحداد من غلبة الهاجس السياسي و الهاجس الآني على الدراسات في الحضارة العربية الإسلامية و لكن في مقابل هذا التشاؤم نجده بأمل في قدرة العرب على التقدم و النهوض .

و في إجابة على طرح إشكالية الدولة و الدين و كيف يمكن أن نعيش الدولة العلمانية يربط الحداد ذلك بمشروع فكري ثقافي حضاري و هو ما يرادف بالنسبة له موضوع المجتمع العصري .

و نستخلص أيضا من الحوار موقف الباحث من مفهوم الحكم من خلال كتاب الإسلام و أصول الحكم لعلي عبد الرازق و التجربة التركية العلمانية في ظل تصاعد التيارات الإسلامية بالمقارنة مع حركات الإصلاح و النهضة العربية في تجارب جمال الدين الأفغاني و الجدل بين محمد عبده و فرح أنطون و دوافع تحول محمد رشيد رضا من إصلاحية ليبيرالية إلى سلفية وهابية.

ثم تطرق إلى آليات الاجتهاد الإصلاحي و حدوده في تجربة الطاهر الحداد و دور أحمد السقا في حركة الإصلاح السياسي و الديني و كثيرة هي الإشكاليات التي تناولها مثل مصطلح براديغم الإصلاح و ما يقصده بمصطلح السرديات، وموقفه من التيار التنويري العربي و حوار الأديان و كرسي اليونسكو للدراسات المقارنة للأديان.

وقد وقع ختم الحوار بآراء الحداد في محمد أركون وهشام جعيط وعبد الله العروي ومحمد عبده أما الحوار الثالث فقد أجري مع الأستاذ اللبناني صبحي غندور من مؤسسي مركز الحوار العربي بواشنطن الذي أبرز دور المركز في تعزيز البعد العروبي الحضاري.

وبين أيضا مفهوم المثقف و دورالعربي في ظل التحديات التي تعوق العرب عن استئناف نهضتهم و ذلك بالتشجيع على الحياة الديمقراطية السليمة، معتبرا أن أفكار الجيل القديم المشوبة بالتخلف مسؤولة عن تمزق الشباب بين تطرف في السلبية وتطرف في أشكال طائفية وينفي عن الفكر القومي مسؤوليته عن هزائم العرب داعيا إلى الاستفادة من إيجابيات التجربة الناصرية و عدم تكرار سلبياتها.

ويرى أنّ الحرية حرية الوطن و أرضه و المجتمع العربي بحاجة إلى إصلاحات لا تتناقض مع القيم الدينية و ذلك بطرح العقلانية الدينية و التأكيد على الهوية العروبية الحضارية و ليست أطروحة العولمة إلا نتاجا طبيعيا لوجود الفكر الرأسمالي .

أما الحوار الرابع فكان مع الدكتور التونسي محمد الناصر النفزاوي الذي نفى عن السلطة العثمانية مسؤوليتها عن التخلف الحضاري العربي و اعتبر أن عمر القومية العربية قصير و كذلك الفكرة المغربية فقسم العالم الإسلامي إلى أربعة عوالم الإيرانيين و الأتراك و العرب و المغاربة نظرا لتنوعها على المستويات العرقية و اللغوية و الذهنية و المذهبية فدعا إلى كبح جماح البعد الإيديولوجي إذ الأولوية هي توفير الغذاء لملاين المسلمين و يرى أن قدر العرب إقامة علاقات جيوسياسية مع تركيا و إيران.

ثم تطرق الباحث إلى قضية المثقف و السلطة من خلال كتابه محمد كرد علي المثقف و قضية الولاء السياسي و الطريف أنه يعتبر نفسه ليس مؤهلا للحكم على العولمة بل هو محظوظ إذا ما قورن بالغربة التي سيعيشها الجبل الجديد إجمالا تعتبر الشهادات التي جمعها نبيل درغوث هامة لما تمثله من قيمة في فهم التغيرات في المجتمع العربي إثر ما سمي بالربيع العربي قيمة مرجعية معرفية لعلنا من خلالها نحدد ذواتنا ذوات فاعلة تتجاوز الأسئلة لتقدم أجوبة تخلصنا من هامش التاريخ.